أفتان أنت يا معاذ
خطبة الجمعة
هذا الحديث الذي ورد بروايات مختلفة أشير إليها لنعتبر ونتعظ
فأقول: أفتان أنت يا معاذ
بلغ من حرص الناس على صلاة الجماعة في زمان رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أنهم كانوا يحتملون الجلوس في الظلام حيث لا كهرباء ولا إنارة شمسية كما في العصر الحديث
وكانوا مع ذلك يتحرون الدقة في اختيار الإمام الذي يصلون خلفه
وكان معاذ-رضي الله تعالى عنه-هو إمام بني سليم الذي يحسن قراءة القرآن الكريم، وكانت مساكنهم بعيدة عن مسجد الرسول-صلى الله عليه وسلم-بحيث يصعب عليهم أداء صلاة العشاء والتي كانوا يسمونها بصلاة العتمة من شدة الظلام، وعليه فيصعب عليهم الذهاب إلى المسجد النبوي، خصوصاً وفيهم كبار السن والنساء وأصحاب الحاجات المختلفة
وكان معاذ-رضي الله تعالى عنه-شاباً قويا، فكان لا يتخلف عن الصلاة مع رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وفي نفس الوقت لا يتأخر عن نفع قومه، فكان يصلي العشاء مع النبي-صلى الله عليه وسلم-ثما يرجع إلى قومه فيعيدها معهم إماماً، وفي هذا دليل على جواز أداء الفريضة خلف من يصلي النافلة؛ لأن صلاة العشاء في حق معاذ-رضي الله تبارك وتعالى عنه-كانت نافلة؛ لسبق أدائها من قبل
قصة العجوز والكنزأفتان أنت يا معاذ
وفي يوم من الأيام قرأ معاذ في الركعة الأولى بسورة البقرة، فتركه رجل من المصلين
وهنى تعددت الروايات، ففي بعضها أن الرجل كان يسقي أرضه فخاف أن يغرق الماء أرض جاره فقصد بقلبه مفارقة الإمام وأكمل الصلاة منفرداً، وعليه فيجوز للمنفرد أن يغير نيته أسناء الصلاة فينوي الإمامة إذا جاء أحد ليقتدي به أسناء الصلاة، كما يجوز للمأموم أن يغير نيته أسناء الصلاة ليصليها منفردا ويترك صلاة الجماعة دون أن يؤدي تحول المنفرد إلى إمام أو المأموم إلى منفرد إلى بطلان الصلات فتقع صحيحة
أفتان أنت يا معاذ
قصص الصحابة رضي الله عنهم
فقال له الناس: أنت منافق، وفي بعض الروايات أن معاذاً-رضي الله عنه-لما علم بذلك قال عن الرجل: إنه منافق
وعلى كل حال فقد ذهب الرجل شاكياً إلى رسول الله-صلى الله عليه وسلم-قائلاً: يا رسول الله إني أحب صلاة الجماعة، ولكني أتخلف عنها بسبب معاذ الذي يطول بنا
فدعا النبي-صلى الله عليه وسلم معاذاً وقال له: "أَفَتَّانٌ أَنْتَ يَا مُعَاذُ"، وفي رواية أتريد أن تكون فتاناً يا معاذ
الفتان
والفتان هو الذي يصد الناس عن دين الإسلام ويحولهم إلى الكفر-والعياذ بالله-ولم يكن معاذاً-رضي الله تعالى عنه-كذلك، وإنما أراد النبي-صلى الله عليه وسلم-أن يعلمنا أن التشدد في الدين على نحو يرهق الناس ويجعلهم عاجزين عن أداء ما فرضه الله تبارك وتعالى عليهم، فلا يبالون؛ لأنهم على مذهب هذا المتطرف سيدخلون النار على كل حال، فيتساوى هذا المتطرف مع أبي جهل ورفاقه الذين كانوا يبعدون الناس عن دين الله
تخفيف الصلاة
وليس المراد تخفيف الصلاة كما يفهم الناس بدليل أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قال له: "اقرأ بسورة سبح اسم ربك الأعلى، وسورة والليل إذا يغشى، وسورة اقرأ باسم ربك الذي خلق
إن الخشوع هو أهم أركان الصلاة وبه تتحدد درجتها في القبول من عدمه والثواب عليها، والذين يفهمون كلام رسول-الله وفق أهوائهم، فتراهم يهاجمون كل إمام يتجاوز سورة الإخلاص أو إحدى المعوذتين، هم في حقيقة الأمر غير خاشعين في صلاتهم، ولذلك ثقلت عليهم الصلاة، يؤيد ذلك قوله تعالى:
"وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ"[سورة البقرة الآية/ 45
وقوله تعالى:
"قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ"[سورة المؤمنون الآية رقم/1/2]
وفي نفس الوقت الذين يطولون ويشقون على الناس فتانون
وفي الختام علينا أن نلتزم بالوسطية في جميع أحوالنا، والله تعالى أعلى وأعلم
وزارة الأوقاف
من فضلك اترك تعليقك هنا