الماء سر الحياة
الماء، سر الحياة، الماء، أول المخلوقات على الإطلاق، الماء، أساس حياة البشر والحيوانات والحشرات والكائنات الدقيقة والنبات، الماء، ينزل من السماء ويخرج من البحر دورة، الماء، إعجاز بجميع المقاييس، سكر الجلكوز، يتخلق من، الماء، فليس الشرب وحده لجميع الكائنات الحية بل الطعام والأساس وكل شيء في حياتنا من، الماء، وسوف أحاول في السطور القادمة بعون الله تبارك وتعالى أن أتحدث عن بعض الإعجاز في خلق، الماء
الماء أول المخلوقات وجوداً على الإطلاق
قال الحق تبارك وتعالى في محكم التنزيل: " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الماء " [هود: 7].
فقد دلت هذه الآية على أن الحق تبارك وتعالى خلق، الماء، قبل كل المخلوقات حتى قبل، العرش في قول بعض المفسرين، ودليلهم في ذلك أن العرش كان على، الماء، مما يستلزم خلق، الماء قبل، العرش، والله تعالى أعلم بمراده، ولا يلزم أن يكون، الماء الذي يحمل، العرش هو نفسه، الماء الموجود على الأرض؛ لأن كون الله عظيم وفيه ما لا يحصى ولا يختر على قلب بشر
الماء أصل كل المخلوقات
قال سبحانه (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الماء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ) [الأنبياء: 30]. وقال سبحانه (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [النور: 45، وروى أبو حاتم البستي في المسند الصحيح له من حديث أبي هريرة قال قلت يا رسول الله إذا رأيتك طابت نفسي وقرَّت عيني؛ أنبئني عن كل شيء، قال "كل شيء خلق من الماء".]. وقد ورد ذكر كلمتي "ماء، والماء" في القرآن الكريم "59" مرة، وورد ذكر الماء في كلمات أخرى "ماءك، ماءها، ماؤكم، ماؤها" 4 مرات، وبذلك يكون الماء ورد ذكره في القرآن الكريم "63" مرة، وفي ذلك أبلغ دليل على فضل الماء وأهميته
إنزال الماء من السماء
قال تعالى (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ) [المؤمنون: 18]. (والمعنى أن الله عز وجل أنزل مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ) بحكمة وتدبير؛ لا أكثر فيغرق ويفسد، ولا أقل فيكون الجدب والمحل، ولا في غير أوانه فيذهب بددا بلا فائدة، وهي دورة حياة الماء المعروفة، وحاصل ذلك أن الله أنزل على الأرض كمية محدودة من الماء، فتفجرت بها الأنهار والآبار والعيون، فتكونت منها المحيطات والبحار، وخلق الشمس حيث تقوم بتبخير الماء بمقدار معين ليسقط على الأرض مرة أخرى، فهي كمية ثابتة من الماء العذب والمالح والمتجمد، فلو زادت نسبة الماء عن القدر الذي حدده الله عز وجل لفسد الكون وهلك جميع الخلق، وكذلك لو ذابت الثلوج لأغرقت الأرض بمن عليها من البشر وما عليها من الحضارات المختلفة .
إسكان الماء في الأرض
قال تعالى: " أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا" (سورة الكهف جزء الآية/ 41)، وقال تعالى: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ" (سورة الملك الآية رقم/ 30)
فهتان الآيتان توضحان نعمة الله عز وجل في إسكان الماء، حيث تأتي الآية الأولى في نهاية قصة صاحب الجنتين، ومن عظيم نعمة الله تبارك وتعالى عليه أن فجر خلال الحديقتين نهراً من الماء العذب، فلما تجبر قال له صاحبه وهو يدعو عليه: ألا تخشا أن ينزل الله عز وجل الماء الذي يجري في النهر خلال الحديقتين، ينزله في باطن الأرض فيسكنه فيها في أعماق بعيدة بحيث لا تستطيع الوصول إليه مهم اجتهدت في طلبه، وهذه هي النعمة الأولى وهي أن الله عز وجل جعل الماء في باطن الأرض على مسافات قريبة يسهل الوصول إليه، فمثلا البئر الذي يبلغ عمقه ماءة متر مثلاً تخيل لو كان على بعد ألف متر أو عشرة كيلو مترات أو أكثر، هل كنت تستطيع أن تخرج الماء من باطن الأرض، والسؤال الآن هل الماء يفهم حتى يعرف أنه في رحلته في باطن الأرض لا بد من أن يستقر في أعماق قريبة حتى يسهل استخراجه بعد ذلك؟ أم أنه تدبير العليم الحكيم اللطيف الخبير
والمعنى الثاني للغور كما ذكره القرآن الكريم يتمثل في أن الله عز وجل جعل الأرض فلتراً طبيعياً لتنقية الماء وجعله عذباً نقياً صالحاً للشرب، وذلك يتطلب أن يمشي الماء في رحلة سفره إلى أعماق الأرض القريبة ببطء؛ حتى تنقيه الأرض، فماذا يحدث لو نفذ بسرعة كبيرة وما استفاد البشر من هذا الفلتر الرباني؟ بل قل ماذا يحدث لو لم تكن الأرض فلتراً لتنقية الماء من أين كنا سنحصل على الماء العذب الصالح للشرب والري على حد سواء وصدق الله العظيم حيث يقول: " قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ"، وقال تعالى (أَفَرَأَيْتُمُ الماء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) [الواقعة: 68‑70]. وهذا الماء أصل الحياة وعنصرها الذي لا تنشأ إلا به كما قدر الله، فما دور الإنسان؟ دوره أن يشربه، أما الذي أنشأه من عناصره، وأما الذي أنزله من سحائبه؛ فهو الله سبحانه، وهو الذي قدر أن يكون عذبا فكان، ولو شاء الله لجعله أجاجا مالحا لا يستساغ، أو لا ينشئ حياة، فهلا يشكرون فضل الله الذي أجرى مشيئته بما كان؟.
الماء في قصة نوح عليه السلام
وتدبر معي حديث القرآن عن الماء في قصة نبي الله نوح عليه السلام، فعندما أراد الله عز وجل أن يفني كل المخلوقات على وجه الأرض بسبب التجبر وإسرار الناس على عبادة الحجر من دون الله لم يهلكهم بوسيلة جديدة رغم كثرة الوسائل وتنوعها عنده سبحانه وسهولتها ويسرها عليه، ولكن اقتضت حكمته أن يجعل الماء الذي هو سبب حياة كل المخلوقات، جعله سبباً قاطعاً لهلاك كل المخلوقات في مشهد عجيب من القوة والعذاب تتجل فيه عظمة الخالق في إبداع الماء وضعف الخلق أمام أسباب الحياة، بحيث لا يستطيعون تناولها إلا بالقدر الذي حدده لهم الخالق العظيم ومنحهم القوة وأهل أجسامهم لهذا القدر، توقف أيها القارئ العزيز أمام الماء الذي ينزل لك تخيل أنه أصبح ماءة ضعف هل تستطيع أن تتعامل معه؟ فما بالك لو أصبح مليون ضعف، تخيل أن السماء تفتحت أبوابها ونزل منها جبال من ماء، وكذلك الأرض تفجرت عيونها فخرج منها جبال من ماء، وتدبر معي تفجرت عيون الأرض، لم يقل الآبار ولكن العيون، والفارق بينهما أن البئر عبارة عن حفرة بها الماء، أما العين فهي عبارة عن ماء يتدفق من داخل الأرض بقوة، هذه القوة الهائلة بين الماء النازل من السماء والمتدفق من الأرض جعلت الماء يضرب بعضه بعضاً، ولم يقل: يضرب المخلوقات؛ لأن المخلوقات أضعف من أن تقف بين الماء والماء، فاستسلم الكون كله أمام الماء النازل من السماء والخارج من الأرض
وفي تصوير هذا المشهد البديع يقول الحق تبارك وتعالى: "فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الماء عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ" (سورة القمر الآية/ 9-11)
وتخيل معي لو أنك رميت بحجر في النهر مثلاً فإنه يحدث من الرزاز والرغاوى، فما بالك بالأمواج التي نتجت عن هذا التصادم العظيم بين الماء النازل من السماء والخارج من الأرض، أمواج وصفها الحق تبارك وتعالى بأنها كالجبال
قال تعالى: "وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ" (سورة هود جزء ال آية42)
ثما توقف وتخيل حجم وقوة السفينة التي صمدت بين هذه الجبال المتلاطمة، يبين الحق تبارك وتعالى ضعف هذه السفينة مبيناً أنها لم تكن سوى ألواح من الخشب تمسك بعضها ببعض بواسطة الدثر وهي المسامير المعروفة، تأمل معي سفناً مصنوعة من الحديد وبها محركات ضخمة ومصممة لعبور المحيطات ومع ذلك تغرق لارتفاع الأمواج، بينما تجري سفينة نوح عليه السلام بخشبها ومساميرها بين أمواج كالجبال، ما هو السر؟ إنه في قوله: بأعيننا، تدبر معي حديث القرآن
قال تعالى: "وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ" (الآيتان/ 11-12 من سورة القمر
الماء والغذاء
لا يقتصر دور الماء في حياتنا عند الشرب فقط، ولا يقتصر دور الماء في ظاهرة الحياة على كونه السائل الوحيد الذي يسهل التفاعلات الكيميائية بين جزيئات المواد التي تلزم لبناء أجسام الكائنات الحية، بل إنه يدخل في تركيب المواد العضوية، التي تنتجها الخلايا الحية. فالمواد العضوية تتكون بشكل رئيسي من أربعة عناصر، وهي: الكربون، والهيدروجين، والأوكسجين، والنيتروجين، وكميات قليلة من بقية العناصر الأرضية، كالكالسيوم، والمغنيسيوم، والبوتاسيوم، والحديد، والفوسفور، واليود. إن المصدر الرئيسي للكربون والأوكسجين هو ثاني أكسيد الكربون الموجود في الهواء، أو المذاب في الماء، وأما مصدر الهيدروجين فهو الماء، وأما مصدر النيتروجين فهو الهواء، الذي تقوم الكائنات الحية الدقيقة بتثبيته في تراب الأرض ومياهها.
الماء وسكر الجلوكوز
إن عملية تصنيع المواد العضوية من مكوناتها الأساسية أو موادها الخام تبدأ أولاً بتصنيع سكر الجلوكوز في خلايا النباتات والطحالب، ومن ثم يستخدم هذا السكر لاحقاً لتصنيع مختلف أنواع المواد العضوية. ويتم تصنيع سكر الجلوكوز من ثاني أكسيد الكربون والماء في داخل البلاستكيات الخضراء الموجودة في خلايا النباتات والطحالب بوجود الطاقة الشمسية من خلال عملية التركيب الضوئي. وفي هذه العملية تتحد ستة جزيئات من ثاني أكسيد الكربون، وستة جزيئات من الماء لتنتج جزيئاً واحداً من سكر الجلوكوز وستة جزيئات من الأوكسجين. إن عملية إنتاج سكر الجلوكوز من الماء وثاني أكسيد الكربون من التعقيد، بحيث أن علماء هذا العصر لا زالوا يقفون عاجزين عن تقليد هذه العملية، رغم توفر التكنولوجيا المتقدمة في مختبراتهم ومصانعهم.
ومن عجائب التقدير أن سكر الجلوكوز عند تحلله بعد الاستفادة من الطاقة المخزنة فيه يعيد هذه الكميات الضخمة من الماء وثاني أكسيد الكربون إلى الطبيعة ليعاد استخدامها من جديد، ولولا هذا التقدير لنفدت جميع الكميات الموجودة على الأرض من الماء وثاني أكسيد الكربون منذ زمن بعيد.
الماء وحفظ درجة حرارة الأرض
من رحمة الله عز وجل أن خلق الماء وجعله سائلاً لا يستجيب للتغيرات بسرعة، فضلاً عن أنه يختلف عند برودته عن جميع المخلوقات، فجميع المخلوقات تنكمش بالبرودة ويقل حجمها أما الماء على العكس من ذلك تماماً فعندما يتجمد الماء يزداد حجمه ويخف وزنه فلولم يكن كذلك لترسبت الثلوج في قيعان البحار، ومن ثما تتجمد المياه التي فوق الثلوج أيضاً حتى يصبح البحر قطعة واحدة من الثلج، وفي ذلك هلاك لجميع الكائنات البحرية، لكن من رحمة الخالق سبحانه أن تطفو الثلوج على سطح الماء لتحافظ على قاع البحر في الحالة السائلة حفاظاً على الكائنات البحرية
اللهم إن نسألك أن نشرب بفضلك من أنهار الجنة يا رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على النبي المختار والرحمة المهداة محمد بن عبد الله عليه من ربه أفضل السلام والصلاة.
غزة بين تكريم السماء وعدوان السفهاء
للاستماع إلى أجمل القصص والقصائد للكاتب رابط القناة
Tags:( Related searches on google )
من فضلك اترك تعليقك هنا