ولاية الفقيه
يتردد مصطلح ولاية الفقيه في عصرنا الحاضر
بكثرة، والسبب في ذلك أنه تحول من مجرد فكرة في أذهان البعض، أو حتى مدوناً في بعض
الكتب والمقالات إلى حكم ودساتير، فمنذ أن أخذت به الثورة الإسلامية في إيران وأكد
عليه الدستور الإيراني ومصطلح ولاية الفقيه يتردد بقوة، خصوصاً وأن بعض جماعات الإسلام السياسي تتبنا هذا المبدأ، أو حتى على الأقل تعمل على استنساخ صورة منه تتناسب مع
رغباتهم وطبيعة تكوين جماعاتهم، وسوف أحاول في الستور التالية بعون الله تبارك
وتعالى الحديث عن هذا الموضوع من كافة جوانبه موجهاً النصح لإخواني وأخواتي القراء
بما فيه وجه الصواب، والله حسبي عليه توكلت وهو رب العرش العظيم
الشيعة ونشأة التشيع
بعد استشهاد الخليفة الفاروق عمر بن الخطاب-رضي
الله تبارك وتعالى عنه-على يد أبي اللؤلؤة المجوسي، تولا الخلافة عثمان بن عفان-رضي
الله تبارك وتعالى عنه-والذي كان من أجمل الناس خلقاً وطبيعة، وأحسنهم أدباً وحياء
إلا أن إرادة الله-تبارك وتعالى-اقتضت أن تحدث الفتنة في عهده، والتي تولاها بعض
من دخلوا في الإسلام من أتباع الديانات الأخرى ولا يزالون يحملون أفكارهم
ومعتقداتهم الباطلة في عقولهم وقلوبهم، فضلاً عن كم كبير من الحقد والغل والحسد
تعجز عن حمله الجبال الرواسي، واستشهد ذو النورين- رضي الله تبارك وتعالى عنه- وهو
يتلو كتاب الله عز وجل، وبايع المسلمون أبا الحسنين علي بن أبي طالب- رضي الله
تبارك وتعالى عنه- وكان من الطبيعي أن تسكن الفتنة وتنطفئ نارها؛ لكون الخليفة ابن
عم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وزوج ابنته وأحب الناس إليه من قومه، غير أن
هذه الفتنة لم تكن طبيعية بل كانت بتدبير من شياطين الإنس
استشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه
وانقسمت الأمة بين فريق يطالب بدم عثمان بن عفان-رضي
الله تعالى عنه-يتزعمهم معاوية بن أبي سفيان-رضي الله تعالى عنه-، وفريق آخر يرى
إرجاء الأمر حتى تسكن الفتنة وتستقر الأمور ويتزعمهم أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب رضي الله تعالى عنه، واشتعلت نار الحرب بين الفريقين وفيهم أصحاب النبي-صلى
الله عليه وسلم-حتى انتهى الأمر باستشهاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله
تعالى عنه على يد عبد الرحمن بن ملجم من الخوارج
تفرق الأمة
وتعمقت الانقسامات في الأمة المحمدية بين
مؤيد لعلي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، ويرى أن الأمر لم ينتهي بموته،
فالخلافة حق لأبنائه وذريته بعد موته، وبين مكفر لعلي بن أبي طالب وشيعته، وهم
طائفة من الخوارج، وبين أهل السنة الذين ينأون بأنفسهم عن الفتن، ويرون أن الله لم
يعين للناس خليفة بعد نبيه صلى الله عليه وسلم ولا أمره بأن يعين للناس خليفة
الإمامية الاثنى عشرية
الإمامية الاثنى عشرية هم طائفة من الشيعة،
وهم الطيار الغالب في عصرنا الحاضر، ويعتقدون بأن الله لا يمكن أن يترك لهم إماماً
يسوسهم، وعليه فقد عين الله تبارك وتعالى ونبيه صلى الله عليه وسلم للخلافة من
بعده علياً بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه ونص على ذلك في مواضع ذكروها وفق فهمهم
للكتاب والسنة، وليس هذا مقام الحديث عن أدلة الشيعة على أحقية علي بن أبي طالب
رضي الله تعالى عنه
المهدي المنتظر
المهم أنهم لم يتوقفوا عند علي بن أبي طالب
رضي الله تعالى عنه بل جعلوا الخلافة أو الإمامة في 12 أماماً معصوماً من أهل البيت، أولهم علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، وآخرهم محمد بن الحسن العسكري المولود
في عام 256ه، وهو المهدي المنتظر عند الشيعة الاثنى عشرية، حيث يعتقدون أنه لم يمت
وإنما دخل سرداباً في دار أبيه وعمره 4 أو 8 سنوات على خلاف بينهم، ويعتقدون أنه
حي في هذا السرداب وعنده السمن والعسل، وينتظرون عودته ليحكم الأمة ويخلصها مما هي
فيه من الضياع
سبب ظهور ولاية الفقيه
فلما طال غياب المهدي المنتظر قروناً كثيرة،
وكادت الفكرة أن تندثر إذ كيف يتصور عاقل أن الله يترك الناس بلا إمام كل هذا
الوقت اخترعوا ما يسمى ب ولاية الفقيه
بداية فكرة ولاية الفقيه
لما كانت مهمة الإمام تنحصر بشكل أساسي في
قيادة المسلمين في ميادين الجهاد ونحوها فضلاً عن الفتوى وبيان أمور الدين التي
لابد منها للناس في كل زمان ومكان بحيث لا يستطيعون أن يعيشوا دون من يبين لهم
أحكام الدين، وكان ذلك ليس لأحد إلا للإمام المعصوم بحسب فهمهم، وعليه فقد ادعى
بعض قادتهم أنهم حصلوا على تفويض من الإمام الغائب بالفقه والفتوى
النيابة في الحكم
وبعد أن استقرت أمور الفتوى بهذا الزعم
المتقدم وجدوا أنفسهم بحاجة إلى النيابة عنه في الحكم أيضاً خاصة بعد أن ظلوا
محرومين من دولة شرعية لأكثر من 12 قرناً من الزمان
ولاية الفقيه في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران
وقد تحول مصطلح ولاية الفقيه من مجرد فتاوى وأقوال إلى واقع على يد الإمام الخميني، والذي قاد الثورة الإيرانية لإقامة شرع الله، وذلك بإقصاء الشاح وحكمه وإقامة دولة إسلامية يحكمها الإمام المعصوم، ولما كان غائباً، وعليه فيحكمها نيابة عنه أفقه الفقهاء، وتكون له صلاحيات مطلقة بالطبع؛ لكونه ليس بشراً عادياً يصيب ويخطئ، بل هو خليفة الله على الأرض، فكلامه مصدق ونافز في كل شيء
الدستور
مع قيام الجمهورية الإسلامية في إيران في عام 1979، تحولت مسألة ولاية
الفقيه من مجرد فكرة موجودة في بعض الكتب أو المقالات إلى واقع عملي فقد دخلت في
القانون الأساسي للدولة في تطور تاريخي جديد لهذه المسألة، وقد أحصي ستة عشر
مورداً في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران تتناول موضوع ولاية الفقيه
فقد ورد في مقدمة الدستور اعتبار القيادة بيد الفقيه، وأنه ضمانة عدم
الانحراف للأجهزة المختلفة في نظام الجمهورية ووظائفها الأصلية.
وفي المادة الثانية: “يقوم نظام الجمهورية الإسلامية على أساس: (1)
الإيمان بالله الأحد (لا إله إلا الله) وتفرده بالحاكمية والتشريع، ولزوم التسليم
لأمره. (2) الإيمان بالوحي الإلهي ودوره الأساس فـي بيان
القوانين. (3) الإيمان بالمعاد ودوره الخلاق فـي مسيرة الإنسان
التكاملية نحو الله. (4) الإيمان بعدل الله فـي الخلق
والتشريع. (5) الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة، ودورها الأساس فـي
استمرار الثورة التي أحدثها الإسلام [في إشارة لدور الولي الفقيه].” ثم في
ذيل القائمة: ” (6) الإيمان بكرامة الإنسان وقيمه الرفيعة، وحريته
الملازمة لمسؤوليته أمام الله …”. في ضوء ترتيب الأولويات هذا، وفي ضوء الإيمان بمركزية
قيادة “الفقيه العادل” خلق دستور الجمهورية الإسلامية منظومةً معقدة تضمن، لا دور
الولي الفقيه فحسب، لكن قدرة هذا الولي الفقيه نفسه على خلق الهيئات التي تدير
الدولة والتي يفترض بها أن تختاره بل وأن تحاسبه.
كما ورد في المادة الخامسة من الدستور الإيراني: في زمن غيبة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية
إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل المتقي البصير بأمور العصر الشجاع القادر على
الإدارة والتدبير...
الخلاصة
الولاية عند الشيعة هي ولاية النبي-صلى الله عليه وسلم-يرثها من بعده اثنى عشر إماماً أولهم علي بن أبي طالب-رضي الله تعالى عنه-وآخرهم المهدي المنتظر محمد بن الحسن العسكري وهو من أحفاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب-رضي الله تعالى عنه-، ولما كان المهدي غائباً فيحكم نيابة عنه فقهاء الشيعة، ويكون لهم نفس صلاحيات النبي-صلى الله عليه وسلم-، والسبب في ذلك أنهم يحكمون نيابة عن المهدي، والمهدي في فكرهم قد ورث الإمامه من رسول الله-صلى الله عليه وسلم-
مناقشة فكرة ولاية الفقيه
تقوم فكرة ولاية الفقيه على أساس أنهم يحكمون نيابة عن الإمام المهدي
وهو في اعتقادهم الوريث الشرعي لرسول الله- صلى الله عليه وسلم-، لكن المشكلة أنهم
يمنحون الفقيه الوالي صلاحيات أصلاً لم تكن للنبي- صلى الله عليه وسلم- حتى يرثها
عنه المهدي أو حتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله تبارك وتعالى عنه-،
فلم يكن النبي- صلى الله عليه وسلم- يشرع من عند نفسه، وإنما كان ينزل عليه الوحي
من السماء، وقد بين ذلك القرآن الكريم حيث قال تعالى: " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى "(سورة
النجم الآية/ 3/4)، فأين الوحي الذي ينزل على أئمتهم حتى يكونوا معصومين وكلامهم
معصوم لا تجوز مخالفته؟ وعليه فلو سلمنا بأن علياً-رضي الله تعالى-وذريته قد ورثوا
النبي-صلى الله عليه وسلم-فغايته أنهم يتولون الحكم، أما أن يحلوا محله في النبوة فمن أين أتيتم بهذا،
وأيضاً فإن الذين يمارسون ولاية الفقيه (النبوة) ليسوا أصلاً من أحفاد أمير
المؤمنين علي بن أبي طالب-رضي الله تبارك وتعالى عنه-
الحقيقة
والحق الذي نطق به القرآن وأكده رسول الله-صلى الله عليه وسلم-أن
الله عز وجل لم يترك لأحد من خلقه مهمة وضع الدين، وإنما ذلك لله وحده لا شريك له،
وإنما بعث سبحانه وتعالى النبي المعصوم-صلى الله عليه وسلم-؛ ليبلغ الدين، فبلغه
بالقرآن وبالسنة وما اشتملت عليه من الأحكام للوقائع التي حدثت في عهده، وما لم
يحدث في عهده تركه للاجتهاد من كل من توافرت فيه أهليته، وتفضل على المجتهدين بأن
جعل لهم الأجر والثواب في حالتي الصواب والخطأ
الخاتمة
وفي الختام أتمنا أن أكون قد استطعت أن أضيف إلى معلوماتك أيها
القارئ العزيز جديداً عن مصطلح ولاية الفقيه داعياً المولى عز وجل أن يجعلني
وإياكم وقافين عند حدود كتاب الله وسنة رسول الله-صلى الله عليه وسلم-متبعين لا
مبتدعين وأن ينصر الإسلام والمسلمين في كل مكان، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا
محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
مقالات قد تعجبك
غزة بين تكريم السماء وعدوان السفهاء
Tags:( Related searches on google )
من فضلك اترك تعليقك هنا