الطفولة في الإسلام
بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأحبة السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً ومرحباً بحضراتكم مع مقال جديد تحت عنوان الطفولة في الإسلام، وهو على جانب كبير من الأهمية، وذلك؛ لأن الطفولة هي أول مرحلة من مراحل حياة الإنسان بعد خروجه من بطن أمه، وسوف أبين ذلك بعون الله تبارك وتعالى في السطور التالية:
خطبة عن الطفولة
جعل الله تبارك وتعالى حياة الإنسان تمر بمراحل متعددة أشار الحق تبارك وتعالى إليها في القرآن الكريم حيث يقول جل وعلى: "هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ "(سورة غافر، الآية/ 67) ومرحلة الطفولة من أهم مراحل حياة الإنسان؛ لكونها تسبق مرحلة الشباب التي هي مرحلة الخصب والنماء والقوة والعطاء، وأيضاً فحياة الطفل تنقسم من ناحية التكاليف الشرعية إلى مرحلتين، الأولى مرحلة الصبي المميز والثانية مرحلة الصبي غير المميز، فالصبي المميز تصح منه العبادات ولا تجب عليه بخلاف غير المميز فلا تصح منه ولا تجب عليه، ولأجل ذلك فللطفل حقوق يجب مراعاتها، وبيانها على النحو التالي:
حقوق الطفل في الإسلام
أولت الشريعة الإسلامية الطفل عناية فائقة قبل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأكثر من ألف عام، وعليه فقد فرضت الشريعة الإسلامية للطفل حقوقاً أذكر منها:
الزوجة الصالحة
من أهم حقوق الطفل على أبيه أن يختار الرجل لنفسه زوجة صالحة تصلح لأن تكون أماً لأولاده تربيهم تربية حسنة وتأخذ بأيديهم إلى طريق الفلاح في الدنيا والآخرة
الزوجة المسلمة
وأول شروط الزوجة الصالحةأن تكون مسلمة قال تعالى: "ولا ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم " (البقرة:221) فعلى المسلم أن يحرص على نكاح المسلمة، وبعض الشباب يلجأ لنكاح الكتابيات رغبة في المال فيقصر في حق نفسه وحق أولاده، فقد حدد الإسلام الصفات التي تنكح لأجلها المرأة وشدد على أمر الدين؛ لأن نكاح غير المسلمة وإن كان فيه صلاح الدنيا إلا أن نكاح المسلمة فيه صلاح الدنيا والآخرة، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك )
الزوج الصالح
وكما اهتم الإسلام باختيار الزوجة الصالحة للرجل اهتم أيضاً باختيارالزوج الصالح ، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير) وذلك لأن العائلة المسلمة تقوم على صلاح الأبوين
الحق في اسم حسن
ثم ننتقل إلى حقوق الطفل بعد ولادته، فأولها أن يختار له اسماً لا يهينه، وذلك بأن يكون له معنى طيب يبعث في نفس الطفل الفرح والسرور باسمه، والرغبة في أن يكون مثل صاحب هذا الاسم، فقد كان الصحابة رضوان الله تعالى عليهم يسمون أولادهم بأسماء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وأفضل الأسماء على الإطلاق محمد وعبد الله، فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحب الأسماء إلى الله ما حمد وما عبد) وقوله صلى الله عليه وسلم: (تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي( فيجوز أن يسمي الرجل ولده محمد أو أحمد، ولا يكنيه بكنية النبي صلى الله عليه وسلم وهي: أبو القاسم، فمن جمال الشريعة أنها اهتمت بأدق تفاصيل حياة الإنسان حتى يعيش في راحة وسعادة وحفاظاً على الصحة النفسية للإنسان
الحق في النسب
من حقوق الطفل أن ينسب إلى أبيه وفي ذلك يقول الحق جل وعلى: (ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله) (الأحزاب: جزء الآية/ 5) وعلى هذا فنسب الولد لأبيه ليس منة من الأب على ولده بل فرض على الأب والابن على حد سواء، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من جحد ولده وهو ينظر إليه احتجب الله منه يوم القيامة وفضحه أمام الأولين والآخرين) ويجب على الولد أن ينسب لأبيه مهما كان فقيراً فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من دعي لغير أبيه فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين) وعلى ذلك ف
حكم التبني
وعلى ذلك فيجوز التبني بمعنى أن تأخذ إحدى العائلات طفلاً يتيماً أو لقيطاً مجهول النسب فتربيه وتعلمه دون أن ينسب إليهم، بل يكن له اسم ينادى به بين الناس، أما أن ينسب إليهم بمعنى أن يقال: هو فلان بن فلان بالكذب وعلى خلاف الحقيقة فهذا لا يجوز؛ لأنهم يدخلون فيهم من ليس منهم
الحق في الرضاعة
اتفق الفقهاء على أن الرضاعة حق للطفل واختلفوا على من تجب، بمعنى أنه هل تجب على الأم أم يجب على الأب أن يستأجر لولده من ترضعه، وعلى أي حال فيجب على الأم أن ترضع ولدها ولها النفقة، فإن كانت في عصمة زوجها فلها نفقة الزوجية، وإن لم تكن في عصمة الزوج بأن كانت مطلقة فلها نفقة الرضاع وذلك عملاً بقوله تعالى: "وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا" (سورة البقرة: الآية/ 233) وقال تعالى: "فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى " (سورة الطلاق: 6) وعلى ذلك فعلى الأم أن ترضع وعلى الأب النفقة، فإذا مات الأب أو كان معدماً فعلى الأم الرضاع وتبحث عن النفقة فإن وجد بيت مال المسلمين أو مال للطفل أخذت منه، المهم أنها ملزمة بإرضاع الطفل ورعايته، فلا يجوز أن نتركه يموت بحجة عدم وجود نفقة الأم
الحق في النفقة
يجب على الأب أن ينفق على ولده سواء كان ذكراً أو أنثى إن لم يكن له مال، فإن كان للطفل مال ينفق عليه من ماله، والنفقة التي تجب للطفل إنما هي بحسب الوسع والقدرة فالأب الغني ينفق نفقة الأغنياء وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: "لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا "(سورة الطلاق: 7) ومن رحمة الله عز وجل أن الواجب ليس هو ما يعاقب على تركه فقط بل أيضاً ما يثاب على فعله ثواباً كبيراً أضعاف التطوع، وأيضاً إطعام الجائع حتى ولو كان نفس الإنسان أو من تلزمه نفقته له أفضل الثواب عند الله، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه على أصحابه في سبيل الله"
حق الطفل في التعليم
ومن حقوق الطفل أن يتعلم، هذا الحق الذي منحه الحق تبارك وتعالى لأبينا آدم عليه السام وفضله به على الملائكة، فعندما خلق الله آدم عليه الصلاة والسلام قالت الملائكة: يا ربنا لماذا خلقته إن كان من أجل العبادة فنحن نسبح بحمدك وننزهك عن كل نقص، فأجابهم الحق تبارك وتعالى بأن العلم إلي فأنا أعلم ما لا تعلمون، وألمح من الآيات الكريمة التي وردت في الربع الثاني من سورة البقرة أن الملائكة ظنوا أنفسهم أفضل من بني آدم؛ لأنهم يعبدون الله يل نهار، والسبب في ذلك أنهم ليس عندهم شيء من الشهوة فهم لا يأكولون ولا يشربون ولا يتناكحون ولا يتعبون بخلاف بني آدم فجاء الجواب من رب العالمين،،،،، العبادة ليست على كثرتها بل لها عند الله حسابات أخرى، فطلب العلم عبادة تزيد في فضلها على عبادة الملائكة والعالم المؤمن من بني آدم أفضل عند الله من الملائكة؛ لأجل هذا عقد الله الاختبار بين الملائكة وآدم عليهم السلام في العلم، وقد حكا القرآن الكريم هذا الاختبار في قوله تعالى: " وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَاآدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ " (سورة البقرة: 31/33) ويلاحظ هنا أن الاختبار ليس في العلوم الدقيقة، بل في شيء قد يراه البعض من البديهيات، وهو أسماء الأشياء من حولنا ، والسبب في ذلك والله تعالى أعلى وأعلم أن الله عز وجل لم يرد أن يشق على عباده، فكل علم ينفع الناس فهو مهم وشرف وفضل كبير لحامله، بحيث ينال هذا الفضل العظيم كل من تعلم لصناعات التي يحتاج إليها الناس مهما كانت درجتها، وعليه فمن حق الطفل أن يتعلم، ومن واجب الأب أن يوفر له التعليم ويجبره عليه حتى ينفع نفسه ومجتمعه في الدنيا والآخرة، يدل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "مروا أولادكم في الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع " والأمر بالصلاة يلزم أن يسبقه تعليم الصلاة حتى لا يكون من التكليف بما لا يطاق، و عندما سئل عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه: " ما حق الولد على أبيه؟ قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه القرآن "
دلع الأطفال
ومن الحقوق التي تجب للطفل الحق في اللعب والتدليل وسأبين جانباً من ذلك على النحو التالي:
حق الطفل في اللعب
من حق الطفل أن يلعب اللعب المباح، وله الحق في التدليل والملاعبة، وقد كانت السيدة عائشة تلعب بالعرائس في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، بل وعندما أرادة أن تشاهد لعب الأحباش في المسجد حملها النبي صلى الله عليه وسلم على كتفه حتى تنظر إلى لعبهم رحمة بها وحفاظاً على حقها في اللعب المباح، والمواقف كثيرة أذكر بعضاً منها:
مواقف من حياة النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال
ومواقف النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع الأطفال كثيرة وكلها تعكس مدى رحمته صلى الله عليه وسلم ورفقه وشفقته خاصة بالضعفاء فهو القائل: "الضعيف أمير الركب "
النبي مع الحسن والحسين
تجلت رحمته صلى الله عليه وسلم مع الحسن والحسين في مواقف كثيرة منها:
تقبيل الأولاد
من ذلك ما رواه مسلم بسنده عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الأقرع بن حابس أبصر النبي -صلى الله عليه وسلم -يقبل الحسن، فقال: (إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: إنه من لا يَرحم لا يُرْحم"،
حمل الأطفال على الظهر
ومن ذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند بسنده عن عبد الله بن شداد عن أبيه قال : "خرج علينا رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أو الحسين ، فتقدم النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ فوضعه ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، قال: إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو ساجد فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الصلاة، قال الناس يا رسول الله: إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها، حتى ظننا انه قد حدث أمر أوانه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني (ركب على ظهري) فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته"
دعاء النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة في أولاد المسلمين
كان من عادة الصحابة إذا رزق واحد منهم بمولود أن يأتي به النبي صلى الله عليه وسلم حتى يدعو له بالبركة، ومن ذلك ما رواه البخاري بسنده عن أبي موسى ـ رضي الله عنه ـ قال: "وُلِد لي غلام فأتيت به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فسماه إبراهيم، فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة ودفعه إليَّ"
مراعاة نفسية الطفل
من الأمور التي تؤذي نفسية الطفل أن تستخف بحقه، وتشعره بأنه صغير القدر لا يساوي شيء، ولعلا هذا هو السبب في تقديم الرحمة بالصغير على توقير الكبير في الحديث الشريف، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا أردت أن يحترمك الصغير فارحمه ولا تؤذيه، جاء في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا ويعرف لعالمنا حقه " ومن احترام الطفل عدم الاعتداء على حقه ومن ذلك ما رواه البخاري بسنده عن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ: ( .. أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أُتِيَ بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام، وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟، فقال الغلام: لا، والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا، قال: فتلَّه (وضعه في يده) رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم
خاتمة المقال عن الطفولة
وقد رأينا كيف يحرص الإسلام على الطفل باعتباره اللبنة الأولى في بناء المجتمع المسلم، حفظ الله بفضله أولادنا وأولاد المسلمين والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين.
Tags:( Related searches on google )
من فضلك اترك تعليقك هنا